السؤال : السلام عليكم سماحة الشيخ ابي أسئل عن معنى الصلاة !؟ عندما نقول ( اللهم صلي على محمد وآل محمد ) ؟ ولكم جزيل الشكر
المجيب: الشيخ عبدالهادي الحمود
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين . واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم من الآن إلى قيام يوم الدين .
الأخت الفاضلة ( Aishwary ) حفظها الله تعالى
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الكثير منــّــا يذكر هذه الجملة ولكنه لايعرف معناها ومرادها الصحيح ..
في بداية الأمر يُتصّور أن معنى الصلاة في جملة ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) هو الصلاة المرتكزة في أذهاننا ( أي الصلوات اليومية ) بينما في الحقيقة نفس الصلوات اليومية هي متفرّعة من معناها الحقيقي وهو الدعاء وقد انتقل هذا المعنى من معناه الحقيقي ( الدعاء ) إلى الأجزاء والحركات والأذكار لتشمل الصلوات اليومية مع فترة من الزمن وتأثّر العقل البشري بأقرب الصور إليه .
والبعض الآخر منـّــا قد قرأ شيئا حول هذه الجملة ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) ولكن إلتبس عليه أمرا آخر وهو أن معنى الصلاة هو الرحمة ! وهذا غير دقيق وإن كانت بمعنى من معانيها الرحمة ولكن بوجه .
ولكن عندما نتأمل الجملة جيداً سوف نعرف معناها الحقيقي والصحيح .
وللتوضيح أكثر أقول :
جاء في كتاب تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي الجزء 1 الصفحة 361 :
قوله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .
التدبر في الآية يعطي أن الصلاة غير الرحمة بوجه ، ويشهد به جمع الصلاة وإفراد الرحمة وقد قال تعالى ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) 43 سورة الأحزاب ، والآية تفيد كون قوله ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) ، في موقع العلة لقوله ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) ، والمعنى أنه إنما يصلي عليكم ، وكان من اللازم المترقب ذلك ، لأن عادته جرت على الرحمة بالمؤمنين ، وأنتم مؤمنون فكان من شأنكم أن يصلي عليكم حتى يرحمكم ، فنسبة الصلاة إلى الرحمة نسبة المقدمة إلى ذيلها وكالنسبة التي بين الإلتفات والنظر ، والتي بين الإلقاء في النار والإحراق مثلاً ، وهذا يناسب ما قيل في معنى الصلاة : أنها الإنعطاف والميل ، فالصلاة من الله سبحانه إنعطاف إلى العبد بالرحمة ومن الملائكة إنعطاف إلى الانسان بالتوسط في إيصال الرحمة ، ومن المؤمنين رجوع ودعاء بالعبودية وهذا لا ينافي كون الصلاة بنفسها رحمة ومن مصاديقها ، فإن الرحمة في القرآن على ما يعطيه التدبر في مواردها هي العطية المطلقة الإلهية ، والموهبة العامة الربانية ، كما قال تعالى : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) 156 سورة الأعراف ، وقال تعالى ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ) 133 سورة الأنعام ، فالاذهاب لغناه والاستخلاف والانشاء لرحمته ، وهما جميعا يستندان إلى رحمته كما يستندان إلى غناه فكل خلق وأمر رحمة ، كما أن كل خلق وأمر عطية تحتاج إلى غني ، قال تعالى ( وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ) 20 سورة الإسراء ، وإن عطيته الصلاة فهي أيضا من الرحمة غير أنها رحمة خاصة ، ومن هنا يمكن أن يوجه جمع الصلاة وإفراد الرحمة في الآية .
:: أقول ::
اتضح أن معنى الصلاة هو : الإنعطاف والميل ، فالصلاة من الله سبحانه إنعطاف إلى العبد بالرحمة ومن الملائكة إنعطاف إلى الانسان بالتوسط في إيصال الرحمة ، ومن المؤمنين رجوع ودعاء بالعبودية . فعندما نقول اللهم صلي ( أي نطلب ونلتمس وندعو الله أن يميل وينعطف على محمد وآله برحمته الإلهية العظيمة ) وهي في حقيقة الأمر تزكية لنا كما في الصلوات اليومية التي نصليها فإن الله تعالى ليس بحاجة لصلاتنا وإنما نحن من يحتاج إليها لنزكي بها أنفسنا ونطهّر بها ذاتنا وروحنا وكذلك جسدنا .